ليس من حق أحد أن يدعى بعد الآن، أو حتى قبل الآن، أن هناك من يطلق عليهم "أعداء الإسلام" إلا إذا بدأ بالبحث عنهم بين المسلمين أنفسهم. كل الأديان لها نفس الرسالة، وكل من وصلته جوهر الرسالات، له أن يتحلى باللافتة الأقرب إليه، وهو الأحق بها القادر على حمل أمانتها. أظن أن هذا ما فعله شرفاء وشباب الموقع الراحل "إسلام أون لاين"، وهو الذى لم يعجب الممول الذى فى قلبه مرض، فزاده الله مرضا.
أنا لست من هواة زيارة المواقع الدينية أصلا، حيث الغالب فيها، بعد الفخر والهجاء، والقذف والبذاءة، هو احتكار الحقيقة، وبث الفرقة، لكن هذا الموقع كان استثناءً. أول ما سمعت عن إيجابياته سمعتها من ناس طيبين ليست لهم علاقة بالإسلام "الذى هو الحل"، والذى كاد يحل محل الإسلام الحقيقى، بصراحة بعضهم يساريين مسلمين وغير مسلمين (وهل ثم مانع أن يكون اليسارى مسلما؟!)، أخبرنى رهط من هؤلاء الأمناء، بدهشة أو بفرحة، أن هناك موقع اسمه "إسلام أون لاين"، وأنه مصدر متوازن لمعلومات سياسية، وعلمية، واجتماعية جيدة ومفيدة وموضوعية، وأنهم يثقون فيما يقدم هذا الموقع أكثر من ثقتهم فى مواقع كثيرة تدعى الموضوعية، والديمقراطية، وهى تدس السم فى الدسم طول الوقت.
ثم إنى سجلت مع شباب هذا الموقع حوارا أو اثنين، قلت فيهما ما عندى مما أتصور أن به من الاجتهاد ما يحسبه بعض الأوصياء على الإسلام تجاوزا، وإذا بحوارى يذاع مرارا دون حذف حرف واحد، فتيقنت أن شهادة أصدقائي الطيبين كانت فى محلها.
ثم دعتنى قناة تحت الإنشاء اسمها "أنا" إلى تسجيل بعض البرامج بها قبل بدء البث، وفعلت، ثم اكتشفت بعد فترة ما أخفوه عنى – قصدا غالبا- أن هذه القناة هى البث المرئى الفضائى لنفس الموقع "إسلام أون لاين"، وفرحت أن هناك من انتبه إلى أن المهم هو أن يوصل رسالة الإسلام، دون الاختناق تحت سقف ما يشاع عن الإسلام،وحتى دون لافتته، قلت فى حلقات التوعية والنقد والمراجعة هذه، ما لم أستطع أن اقوله فى أى مكان آخر، حتى سموا البرنامج باسمى من فرط سماحهم ("مع الرخاوى")، وتعجبت من وضوح هدفهم، وتنازلهم عن اللافتة مقابل توصيل الرسالة وحمل المسئولية. سألتهم عن الإعلانات، وعرفت أنهم منتبهون قد خططوا للاستغناء عنها تأكيدا للموضوعية وحملا للأمانة كما ينبغى، فسألت المعدتان (سحر، ومروة)، عن التمويل، فلم أحصل على إجابة وافية، ورجحت أنهما لم يكن لديهما إجابة وافية.
ما هذا؟ ماالذى يجرى بالضبط؟ هل الدنيا بخير هكذا؟ وهل ما زال بيننا من يحرص على حمل الأمانة بهذا الذكاء، وتلك الموضوعية؟ بعيدا عن الأسماء والشعارات هكذا؟ الحمد لله، فرحت، برغم توجسى، وتم تسجيل ثلاثين حلقة قبل بداية البث، ثم بدأ البث، وأذيعت حوالى نصف الحلقات، ثم فجأة اتصلت بى "سحر"، أو"مروة"، لا أذكر، وقالت: نحن نشكرك على تعاونك، ونعتذر لعدم بث بقية الحلقات لما تعلمه من أننا توقفنا. توقفتم؟ أهكذا؟ لماذا؟ لم أسألها فأنا أعرف أنها لا تملك الجواب، و حزنت، وترحمت،: "البقاء لله".
لم تمض أسابيع على توقف قناتهم التليفزيونية حتى بدأت أقرأ عن هذه الهجمة الشرسة على الموقع نفسه، تابعت أغلب ما كتب عن ملاباسات التوقف من مؤامرات، وتربيطات، ومقالب، وخيانة، حتى إقالة الشيخ المرجع المستجير بهم، بدأت أفهم:
لم يتحمل أعداء الإسلام (المموِّلين من المسلمين غالبا)، أن ينجح بعض المسلمين فى مخاطبة المسلمين وغير المسلمين برسالة الإيمان، والموضوعية، والحياة، والخير، لم يتحمل أعداء العدل والحق تعالى وكل الأديان، أن تصل الرسالة إلى أصحابها كما ارأدها خالقهم. لم يتحمل أعداء الله والأطفال والمستقبل، أن يقدم الموقع مؤخرا توثيقا علميا دقيقا على موقعيه بالعربية والإنجليزية للجرائم الإسرائيلية التى تحدث فى غزة، وانتهاك المسجد الأقصى تمهيدا لإزالته، ونشر صور المجندات الإسرائيليات يحتللن الحرم الإبراهيمى... إلخ. لم يتحمل أعداء أنفسهم والتطور أن يكشف الموقع سر الثورات البرتقالية والبنفسجية المسخسخة عبر العالم، لم يتحمل العبيد من المسلمين أن يتحرر الإسلام منهم هكذا، ليساهم بإبداعاته الحقيقية فى مسيرة البشر الرشيدة.
وهكذا اكتشفتُ ما عجزت مروة وسحر عن الإجابة عليه: لا بد أن التمويل تم فى غفلة من الممول الذى لم يعمل حساب أن تنقلب المسألة جـِدا حضاريا إيمانيا مشرقا هكذا. أنا على يقين الآن أن التمويل كان مشروطا بأن يقوم هذا الموقع "بالمطلوب"من سادة سادة الممول، "فيسمع الكلام"، ويروج لإسلام تم تحديثه "على مقاس" أعداء الإسلام، وأعداء الله والبشر، لخدمة أغراضهم الاستهلاكية، والاستعمارية الظاهرة والخفية وحين لم يسمع المنفذون الكلام، توقف التمويل، فتوقفت القناة، ثم أوقف الموقع.
وهكذا تعرت القوى المالية التراكمية المغتربة تنبرى لتمويل مثل هذه المشاريع اوهى تحمل لافتات مغرية هكذا، وظهرت على حقيقتها وأنها قوى مشبوهة إن غفلت عن تحقيق أغراضها باكرا، فهى سرعان ما تنقض على القائمين على التنفيذ إن حادوا عن شروطها ليصبحوا خطرا على مشروعها التخريبى التشويهى الأصلى، وتبين أنه ليس لديها مانع أن تهدم كل ما بنت، لتبحث عن تابعين أكثر غباء، أو قدرة على "سمعان الكلام"!! تعروا ومع ذلك مازالوا عميانا تماما.
الدرس الذى علينا نحن المستضعفين فى الأرض أن نستوعبه: هو أنه لا يمول الحق إلا أصحاب الحق، فباختصار: على المستضعفين فى الأرض أن يبدأوا بامتلاك القوى التى تضمن لهم الاستمرار، وأن يتحلوا بجرعة أكبر من التفكير التآمرى، لعلها تقيهم من مضاعفات حسن النية، والثقة بمثل هذا الطابور الخامس، الذى ما مول هذا الموقع إلا ليهدم الإسلام، ويشوه المسلمين بإظهار أنهم لا يتقنون إلا الصراخ، والتعصب، والقهر، ووأد الإبداع، والتشنج..إلخ، وحين تحول المسار إلى وجه الحق، توقف التمويل، وأقيل الرجل العالم الجليل، تمهيدا لضم الموقع إلى جوقة التشويه والتسطيح والتبرير والتبعيية، ربما تحت لافتة تقول: "إسلام عوْلمى معدل موديل 2010 ".
مرة أخرى
لا مكان فى صراع اليوم لحسن النوايا، ولا للثقة بمصادر مشبوهة مهما خطبوا فى جامعاتنا، أو اجتمعوا على موائد قممهم، ولا ضمان للاعتماد على حماس شباب ذكى طيب مهما بلغت قدراتهم ومهارتهم وإخلاصهم، لا مكان لكل هذا إلا إذا تم الاستقلال الحقيقى، باقتصاد نظيف قادر، وإنتاج قوى منافس، ليتمكن المدافعون عن حقهم فى الحياة، أن يساهموا بكل الوسائل الحديثة فى صد هجمة الانقراض المنذر على أيدى من انفصلوا عن نوعهم الإنسانى مغرورين بسلاحهم، ومؤسساتهم، وإعلامهم، وتعصبهم، ومؤامراتهم.
هذا درس نتعلمه مما حدث: إن الاستقلال المادى القوى هو الممول الأضمن لكلمة الحق وخير الناس، وإن التفكير التآمرى الإيجابى هو ضمان ضد مثل هذه الإهانات والتخريب المفاجئ.
لا بديل عن المثابرة وطول النفس، فكل ما يعملونه، مهما بلغت قوتهم هو زبد يذهب جفاء إن عاجلا أو آجلا، أما ما يمكث فى الأرض وينفع الناس فهو الاستقلال الاقتصادى، والإبداع الفائق، والقوة القادرة، وتعهد الجمال داخلنا وخارجنا طول الوقت.
وسوف ننتصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق